Thursday, April 3, 2008

ردّ سريع علي مقولة " اللوغة التونسية"...

هذا ردّ طويل نسبيا على تدوينة لسي طارق الشنيتي هنا ، تتعلّق بمقولة " اللغة التونسية"، وهي في الحقيقة عودة الي موضة قديمة، ظهرت منذ السبعينات، وفشل أصحابها في اقناع المجتمع بها. اذ يذكر انّ مجموعة " العامل التونسي" - مجموعة ماركسية لينينة من أقصى اليسار-، تبنّت في مرحلة ما مقولة الأمّة التونسية والهويّة التونسية، بل وذهبت الى اصدار جريدة بالدارجة، اعتقادا منها انّها بذلك ستصل بشكل أكثر سهولة الى عقول وقلوب الفئات الشعبية. لكن مع الوقت، اتضّح لهذه المجموعة، مدى طفوليّة الفكرة وانّ الشعب التونسي هو بحكم التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة جزء لا يتجزّأ من محيطه العربي، وانّه لا يمكن التعسّف علي دارجة ذات أصول عربية واضحة وتحويلها رغما عنها الى لغة حقيقيّة.

***************

تاريخيا، اللغة المالطية هي وريثة " اللنغوا فرانكا" اللي كانت سائدة في مرحلة معيّنة في موانئ البحر المتوسّط وكانت يستعينوا بيها البحّارة من مختلف البلدان باش يتفاهموا ويتواصلوا فيما بينهم. يعني بعبارة أخرى، في الأصل الأمر يتعلّق بلغة وظيفيّة، هي خليط متناثر من لغات مختلفة. وكان لهذه "اللغة" أهداف محدّدة، مثل لغة البراي بالنسبة لفاقدي البصر أو لغة الإشارات للصمّ والبكم أو لغة الإسبيرانتو... ممّا يعني ايضا ، انّ هذه اللغة ليست لغة ايّ بلد من بلدان ضفتي المتوسّط وهذا أمر طبيعي. وطبيعي ايضا، ان تتحوّل هذه اللغة الهجينة الى لغة المالطيين، الذين بدورهم خليط حقيقي من الشعوب ، نظرا لموقعهم الجغرافي في قلب البحر المتوسّط الذي جعل جزيرتهم تشهد مراحل متعاقبة من الإحتلالات كما لم يشهده ايّ بلد آخر.

الحالة المالطية هي اذن حالة استثنائية تحفظ ولا يقاس عليها. وبالتالي، لا أفهم دوافع هذا "الحنين" للغة ماعندها لاساس ولا راس كالمالطية
، والدعوة الي التخلّي عن لغة عريقة، من أكثر اللغات تداولا في العالم، ومعتمدة كلغة من اللغات الرسمية الستّ للأمم المتحدّة؟.فالعربية لغة لها قواعد صرفية ونحوية معروفة ودقيقة، وفيها من جذور الكلمات ما يسمح بإشتقاق كلّ المصطلحات الضرورية " لتوليد المعرفة" كما بيّن ذلك تقرير التنمية البشرية للأمم المتّحدة بالعالم العربي لسنة 2003.

أمّا فيما يخصّ ما ذكرته عن "لوغة تونسية" متفرّدة وما استشهدت به من كلمات، فإسمح لي بإبداء الملاحظات التالية:

- أولا، لا أرى تناقضا في الإقرار بإحتواء الدارجة التونسية على كلمات ذات أصول غير عربية وهذا أمر طبيعي وموجود في كلّ اللغات والدارجات، فمثلا هنا في الكيباك يتحدّثون دارجة فرنسية، فيها الكثير من الكلمات الوافدة من الآنقليزية، لأسباب تاريخية وجغرافية معلومة، ومع ذلك لم أسمع احدا من الكيباكيين يتحدّث عن " لغة كيباكيّة" مختلفة عن الفرنسية. وايضا اللغة الإسبانية، قرأت سابقا انّ ربع كلماتها ذي أصول عربية، فهل سمعت اسبانيا ينكر الأصول اللاتينية للغته أو يقول انّ لغته هي خليط من اللغات،؟ علما وانّنا لا نتحدّث عن دارجة وانّما عن لغة مكتملة ومنتشرة دوليا، وايضا نفس الأمر ينطبق على بلدان أميركا اللاتينية، فشعوب هذه الدول تتحدّث امّا الأسبانية أو البرتغالية بدرجات مختلفة عن اللغة الأمّ، تتفاوت من دولة الى أخرى، فهل نسمع ببرازيلي يقول انّ دارجته البرازيليّة هي لغة مختلفة عن البرتغالية؟ علما وانّ البرتغاليين يجدون بعض الصعوبة في فهم البرازيلين...

- وحتّي في الكلمات التي ذكرت، يبدو انك أغفلت، او لا تعلم، انّ كثيرا منها ذات أصول عربية واضحة. فمثلا:
كرهبة: أصلها كما يبدو من كهرباء-- لست متأكّدا ولكن قد تكون الفكرة وراء هذه التسمية هي: العربة المكهربة ربّما

- فيسع: قد تكون أصلها: في سعة، وتمّ ادغامها في عمليّة النطق

-آكاهو: واضح انّها ادغام لكلمتي: ذاك هو

- منرفز: أصلها من النرفزة وهي كلمة موجودة بالقاموس العربي. ربّما تكون وافذة، لكن ذلك أمر طبيعي يدلّ على قدرة للغة على التطوّر واستيعاب الجديد

- غناية: ماظاهرليش انّ ثمّة حاجة لتبيين العلاقة بين غناية وأغنية

- يتفرهد: ماهاش بعيدة على يترفّه...

- زليزة: من جليزة
(على فكرة، هناك أكثر من كلمة بالدارجة التونسية يتغيّر فيها نطق حرف "ز" الى "ج". مثل : زوز وأصلها: زوج - الإخوان في المغرب الأقصى ينطقونها بالشكل الأصلي مثلا- عرس بال"زازة" وأصلها : ضجّة. زغزغة: من جغجغة. وذلك أمر طبيعي وموجود في أكثر من دارجة عربية، فمثلا الفلسطينيون ينطقون القاف كاف والمصريرن ينطقون الجيم قاف - بزيادة النقطة- ولطرق النطق المختلفة أصل في اللهجات المختلفة لقبائل الجزيرة العربية، حيث لم تكن جميعها تنطق الحروف بنفس الطريقة، وهو مايفسّر ايضا لماذا عندنا ننطق كلمة " قال" بشكل مختلف بين مناطق الجنوب والشمال الخ...

- أعتقد انّ العلاقة واضحة بين قهواجي وقهوة

- برشة: أصلها عربي أصيل. فأصلها من أبرش وهو " المكان كثير العشب". كما انّ أصل شويّة : هو قطعة اللحم الصغيرة... حسب لسان العرب

- العلاقة بين قطّوس وقطّ تبدو لي واضحة ايضا...

- منقالة: اصلها من نقل وربّما تكون اصلها من المنقال - الكومبا- لما بينه من تشابه مع عقارب الساعة

السحابة: ظاهرلي واضح التشبيه التصويري-

- الشتا-- الشتاء ، وهناك من يقول المطر . وهذا يدلّ ايضا على مشكل عدم دقّة الدارجة في توصيف بعض الأشياد والظواهر وهذا أمر عادي بالنسبة للغة الدارجة، لأنّا لغة استعمال يومي وليست لغة علم وادارة وقانون ،الخ.

- لاموضة-- هناك كلمة الموضة في الفصحى، وهي كلمة وافدة

- يزّي، اصلها من يجزي: وهي مرادف ليكفي، يغني...



أمر آخر جدير بالذكر. هو انّه رغم قدرة الدارجة في التعبير عن حرارة العواطف الذاتية وعن تفاصيل الحياة اليومية، وحتّي على صياغة أدب شعبي محترم، فإنّها لا يمكن ان تضاهي ثراء الفصحي وغنى حقلها اللغوي. فللأسف الحقل اللغوي للدارجة ضعيف، وأضرب على ذلك مثلا وحيدا بسيطا: ماذا تقترح " باللغة التونسية" كترجمة لكلمة je veux?

وماذا تقترح لها من مرادفات؟

شخصيا، لا أعرف غير كلمة :"نحبّ" ، وفي ذلك كما تري تأكيد علي مدى غياب الدقّة في الدارجة التونسية، حيث تستعمل كلمة وحيدة للتعبير عن معنيين مختلفين أو أكثر
، فيما نجد أكثر من فعل بالفصحى: أريد، أودّ، أبغي، أرغب الخ.



في الختام، أريد ان أقول انّي لا أرى فائدة في محاولة نفي الأصل العربي الواضح للدارجة التونسية والسعي الى تحويلها تعسّفا الى لغة مكتملة الصفات والشروط، وذلك في اطار سعي قديم متجدّد لإحياء هويّات غابرة على أنقاض الهويّة العربية الإسلامية- بالمعنى الثقافي والحضاري وليس الديني. الأصحّ برأيي، هو محاولة مزيد العمل على تبسيط الفصحى وتقريبها من الدارجة، وهذا أمر قطعنا فيه أشواط كبيرة بفضل سياسة التعريب، على هناتها وتذبذبها، فآنظروا مثلا لغة المنشطّة المبدعة كلثوم السعيدي في الإذاعة الوطنية أو منشطّي اذاعة الشباب، سترون انّها دارجة عربية خالصة، رشيقة وجميلة ومحافظة علي خصوصيّتها التونسية. أنا لست من المحتقرين أو المهمّشين للدارجة التونسية، لكنّي ضدّ ان يتمّ استعمالها معبرا لتهميش الفصحى ولنفي الإنتماء العربي لتونس بإسم هويّات تاريخية ميّتة كالقرطاجية والبربريّة والخ. فأنا مع الإعتراف بهذه الهويّات والإعتزاز بها، لكنّي لا أرى سببا لإستدعائها من الماضي السحيق، فذلك لن يزيد شبابنا الاّ اضطرابا وضياعا فيما يخصّ انتماءه الثقافي والحضاري، وبالتالي سيزيد من تأخير حلّ القضايا الحقيقية التي تنتظرنا، كالديمقراطية والتنمية والعلمانية وغيره...


4 comments:

Bechir said...

أية نشالله مبروك المدونة الجديدة :-)

Walid ben omrane said...

Bonsoir Ghassen,
Tu poses dans ton post des questions linguistiques propres aux pratiques langagières des Tunisiens avec une attitude trés superficielle de la dynamique de l'emprunt en général et du contact des langues en particulier. L'exemple de gatus que tu as évoqué montre à quel point les choses sont compliquées. Gatus a une terminaison d'un suffixe latin, A. BANNOUR et Vermundo BRUGNATELLI considère ce mot comme étant un emrunt au latin d'ailleurs en berbère de Jerba il est utilisé sous Yatus. Est qu'il s'agit d'un emprunt direct du latin vers l'arabe tunisien ou du berbère tunisien au latin puis à l'arabe? En plus le contact entre les Numides et langues sémitiques remonte bel et bien à la période antique. A Jerba, nous trouvons des phonèmes de l'arabe citadin préhillalien ou du phénicien dans l"onomastique" de la poterie de Guellala.
En ce qui concerne la Lingua Franca, un trés bon article de A. BANNOUR sur ce pidgin est composé d'une grande partie de lexique espagnol et italien et d'ailleurs BANNOUR qui parle courrament le maltais n'évoquait aucun "héritage" dû à ce pidgin dans le maltais , classée par l'INALCO comme langue sémitique et non indo-européenne.
Je commenterai avec plus d'exhaustivité la question de la langue et de l'identité dans un post prochainement inchallah sur mon blog.
Merci pour la réception.

Unknown said...

Bonne idée.J'ai toujours été un fervent défenseur de notre dialect national.

wassgha said...

اتحدّاك أن تجد أصل كلمة سبّالة (حنفية)